مسألة غير مطروقة بجدية وتوسع من قبل دون شك، لكن كونها شأنا مسكوتا عنه فإن ذلك لا يعني بحال من الأحوال أن هذه الظاهرة غير موجودة في مجتمعنا.
هل هذه الظاهرة موجودة حقا عندنا؟
المسألة لم تكن بحاجة إلى أكثر من عشر ثوان أعود فيها للتفكير في مدارسنا وما يحدث فيها لأتيقن أن هذه الظاهرة ، رغم أنها مسكوت عنها، إلا أنها منتشرة أكثر مما يتخيل المرء.
لنكن صريحين هنا ونسمي الأشياء بأسمائها، وعذرا إذا خدشت الصراحة حياء البعض لكن نكران الحقيقة أشد هوْلا من جراح كشفها.
في مدارسنا كل أشكال الإيذاء الجنسي للأطفال، سواء كان ذلك من قبل الأطفال مع بعضهم البعض
(وبالأخص الطفل الأكبر سنا مع الطفل الأصغر سنا)،
أو من حيث علاقة المعلمين بالطلاب.
ذلك على صعيد المدرسة، وهنا ، مبدئيا، لا أريد القول أن المدرسة مسؤولة أو غير مسؤولة عن حدوث ذلك داخل أسوارها فليس هذا ما ستناقشه هذه المقالة (فهي ستناقش الأمر من زاوية أخرى).
أما خارج جدران المدرسة فمن أوفر المعتدين جنسيا على الأطفال هم أصدقاء الأخ الأكبر الذين يأتون لزيارته في البيت وعينهم مصوبة على إخوانه الصغار و حتى على اخواته الصغار وهناك بالطبع زنا المحارم.
سنوات دراستي بالمدرسة، وبالأخص فترة الإعدادية، تستحضر حالات كثيرة قام فيها ’’طلبة مشاغبون‘‘ بالتحرش بطلاب آخرين من عمانيين وعرب وافدين.
كنا كطلاب لا نعتبر قيام البعض بالتحرش بطلبة آخرين بمثابة جريمة، لأننا نشأنا نرى ذلك حولنا منذ نعومة أظفارنا وكأنه من مسلمات البيئة المدرسية!.
بل لعل البعض كان يفاخر بتحرشاته كما يفتخر به بعض ممن حوله كدلالة على ’’نضجه المبكر‘‘!.
كان التحرش-وما يزال- جزءا من ثقافة المجتمع ومن ’’بديهيات الأشياء‘‘ من حولنا.
لم يكن هناك من يخبرنا أن ما يقوم به زملاؤنا جريمة ولكن كان هناك من أخبرنا أن ذلك عيب.
العيب كلمة مطاطة تشمل أشياء عديدة كثير منها ليس جريمة
فإخراجك لسانك في وجه من هو اكبر منك ’’تدليع اللسان‘‘ عيب. هو عيب وليس جريمة. إنه مجرد ’’عيب‘‘ لكن ليس جرما يستحق فاعله العقاب. ولذا لم يكن الطفل منا يعرف أن التحرش بصبي آخر جريمة، وهكذا لم نقم بإدانة من فعل ذلك من الطلاب من حولنا.
كان كل همنا أن نحمي أنفسنا فقط.
كان هذا الحال أيام الطفولة والمراهقة، أما واقعنا المعاصر فنسمع فيه من الحكايات ما هو أكثر هولا.
لقد استشرس الطلاب أكثر، وبعض ’’الطلبة المشاغبين‘‘ ممن كانوا طلبة ومتحرشين بالآخرين قد أصبحوا اليوم معلمين.
اليوم توفرت لهم البيئة الأمثل لاقتناص الضحايا!
في كل حارة عمانية هناك شخص أو شخصان أو ربما خمسة كل
منهم معروف لدى الأهالي بأنه
’’أبو صبيَان‘‘
أي بالفصحى: شخص يمارس الجنس مع الأطفال.
يعيش هؤلاء الأفراد بيننا ويدخلون بيوتنا ويلعبون مع أطفالنا ونحن-يا للمفارقة- لا نخشى على أطفالنا منهم.
نحن نعرف أنهم قد يكون لديهم شغف ببعض الأطفال
’’لكنهم ليسوا وحوشا‘‘!.
إنهم لن يعتدوا على أطفالنا نحن بالذات. فأنا وأنت أيها الشخص الفلاني أصدقاء ولن يرد بذهني أبدا أنك قد تعتدي على أطفالي.
بل سأكون أول من يدافع عنك إذا اتهمك أحد بهكذا جرم رغم معرفتي المسبقة بما يقوله الناس من أنك
’’أبو صبيَان‘‘
هذا ما يحدث في عمان. نعطي الأمان لمغتصبي الأطفال لسبب بسيط جدا:
لأن ما يقومون به ليس جريمة، ما يقومون به جزء من ثقافة المجتمع!
الأمر هكذا بالضبط في الثقافة الشعبية العمانية فيما يتعلق بالإعتداء الجنسي على الأطفال. لا أسعى هنا للقول أن ثقافتنا ترعى اغتصاب الأطفال أو تشجع عليه بشكل مطلق، لكني أريد التأكيد على أن هذه الثقافة تتواطأ –من حيث تدري ولا تدري- مع مسألة التحرش بالصغار من حيث كون هذه الثقافة، أولا وقبل كل شيء، لا تسمي ذلك اغتصابا.
هي لا تسميه اغتصابا وإنما عيبا -مجرد عيب- ولذا ليس له
عقاب عرفي محدد وثابت ومتعارف عليه في القانون الشعبي
(قبل تطبيق القانون المدني الجزائي الحديث).
الثقافة الشعبية تتهاون مع الإعتداء على الصبي الصغير خوف الفضيحة ولاعتبارات قبلية وقبل كل ذلك لعدم إيمانها بوقوع ضرر جسيم. ما الذي حدث؟
مجرد ’’فلان الفلاني‘‘ قالوا إنه ’’افتعل‘‘ ب ’’ود فلان‘‘ ، و
’’الولد بخير‘‘.
الولد بخير ليس به جرح ليأخذوه للطبيب وما فيه داعي للفضايح.
هكذا يفكر الناس عندنا حيث لم يرو جرحا داميا لدى الطفل. وهناك جرح نفسي غائر أشد فتكا في روح ذلك الطفل. جرح لم يره أو لربما تجاهل رؤيته أهالينا فيما مضى لأسباب عديدة.
الآن نعلم أن ممارسة الجنس مع شخص قاصر سواء وصلت الممارسة مرحلة الإيلاج أم لم تصل لذلك هو سلوك مجرم دوليا باسم الإنسانية. كما نعلم أنه سلوك تدميري على الصحة النفسية والإجتماعية والعاطفية للشخص المعتدى عليه.
اليوم علينا عدم التهاون مع من تعرفهم حولنا من مغتصبي الأطفال. وصدقوني لو سمينا كل من حولنا من المتحرشين بالأطفال لكانت النتيجة مفزعة.
إنه يكاد يكون مستحيلا أن يوجد اليوم رجل عماني بالغ ولم يمر في مرحلة من مراحل حياته (أيام المدرسة على الأخص) بمحاولة تحرش (بسيطة أو عنيفة) ناجحة أو فاشلة من قبل رجل آخر.
لم تعترف العقلية الشعبية العمانية أن الإيذاء الجنسي للطفل الذكر جريمة ولكنها عاملته كمجرد عيب أو سلوك خاطئ، لذا لم ينوجد شعبيا قانون صريح وواضح يعاقب من يقوم بالإغتصاب.
وحتى لو كان القانون موجودا فنادرا ما ينال الجاني عقابا يعادل حجم جريمته، بل نادرا ما يذهب الوالدان للشرطة.
لقد علمتنا الثقافة الشعبية نحن الرجال العمانيين أن نحمي أنفسنا، لكنها لم تعلمنا أن الإعتداء على الآخرين جريمة يستحق مرتكبها العقاب، وإنما وصفت ذلك بكلمة مطاطة اسمها العيب. هذه هي الحقيقة العارية البشعة التي قد يكون إيرادها صادما للبعض، لكن الصدمة هي ما نحتاجه لنفيق.
سمعت مؤخرا قصة جرت أحداثها في إحدى ولايات منطقة الباطنة وتتلخص وقائعها –وفقا لرواتها- أن رجلا اعتدى جنسيا على طفل صغير فقرر أهل الطفل التقدم بشكوى ضده.
فقام الرجل بعرض تعويض نقدي مقداره عشرة آلاف ريال عماني لكي لا يصل الأمر للمحكمة، لكن الأهل أصروا على أخذ حقهم بالقانون.
وما حدث أن المحكمة حكمت بعدم إدانة الرجل!
لعل ذلك قد حدث لعدم ثبوت الأدلة أو لأن ثقافة بعض أهل القانون –بشكل لا واع غالبا- لم تر في الأمر جريمة نكراء من فرط شيوعها بيننا ولذا لم تذهب عميقا في تقصي أدلة وقوع الجريمة!
إن المغتصبين والمتحرشين بالأطفال موجودون بيننا يتناولون معنا الشاي و’’العيش والملح‘‘. إننا لن نستطيع أن نقاطعهم جميعا، فمنهم أخوة لنا وجنود ومعلمون وعيون ساهرة وموظفون وباحثون عن عمل. إن لم نكن نستطيع محاسبتهم على ما ارتكبوه في الماضي
(وهذه أبدا ليست دعوة للغفران والسكوت على الخطأ)،
فعلينا إذن أن نعمل لخلق حاضر ومستقبل لا يكونون فيها قادرين على الاستمرار في غيهم. علينا أن نبدأ اليوم بتعديل مفاهيمنا الثقافية برفض النظر إلى الإعتداء الجنسي على الأطفال كمجرد عيب وحدث غير جسيم، وإنما النظر إليه كجريمة بشعة غالبا ما تترك أثرا فاجعا على الضحية ويستحق من يقوم بها العقاب الرادع.
فهل انت ايها القارئ بعد قرائتك هذه الكلمات هل كنت متحرشا او تحرش بك اصدقائك ماذا ترى في الموضوع و ما رأيك اذا عمل بطفلك الآن كيف ستشعر و ما هو ردة فعلك اتجاه هذا الفعل المريض ؟