بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين؛ نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
فهذه وقفة عظيمة مع تفسير آيتين عظيمتين تطير بها القلوب فرحا ورغبة،، نسأل الله أن يكرمنا وأن يعاملنا بما هو أهله سبحانه وبحمده.
{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إلى رَبّها ناظِرَةٌ}
-قال السعدي -رحمه الله-
ثم ذكر ما يدعو إلى إيثار الآخرة، ببيان حال أهلها وتفاوتهم فيها، فقال في جزاء المؤثرين للآخرة
على الدنيا: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ } أي: حسنة بهية، لها رونق ونور، مما هم فيه من نعيم القلوب،
وبهجة النفوس، ولذة الأرواح، { إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } أي: تنظر إلى ربها على حسب مراتبهم: منهم من
ينظره كل يوم بكرة وعشيا، ومنهم من ينظره كل جمعة مرة واحدة، فيتمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم، وجماله الباهر، الذي ليس كمثله شيء، فإذا رأوه نسوا ما هم فيه من النعيم وحصل لهم
من اللذة والسرور ما لا يمكن التعبير عنه، ونضرت وجوههم فازدادوا جمالا إلى جمالهم، فنسأل الله الكريم أن يجعلنا معهم.
- قال القرطبى -رحمه الله-
قوله تعالى: "وجوه يومئذ ناضرة، إلى ربها ناظرة" الأول من النضرة التي هي الحسن والنعمة.
والثاني من النظر أي وجوه المؤمنين مشرقة حسنة ناعمة؛ يقال: نضرهم الله ينضرهم نضرة ونضارة
وهو الإشراق والعيش والغنى؛ ومنه الحديث (نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها). "إلى ربها" إلى
خالقها ومالكها "ناظرة" من النظر أي تنظر إلى ربها؛ على هذا جمهور العلماء. وفي الباب حديث
صهيب خرجه مسلم وقد مضى في "يونس" عند قوله تعالى: "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة" [يونس: 26]. وكان ابن عمر يقول: أكرم أهل الجنة على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية؛ ثم تلا هذه الآية: "وجوه يومئذ ناضرة. إلى ربها ناظرة" وروى يزيد النحوي عن عكرمة قال: تنظر إلى ربها نظرا. وكان الحسن يقول: نضرت وجوههم ونظروا إلى ربهم.
-قال الطبرى -رحمه الله-
إلى رَبها ناظِرَة اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم: معنى ذلك: أنها تنظر إلى ربها. ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن منصور الطوسي, وإبراهيم بن سعيد الجوهري قالا: حدثنا عليّ بن الحسن بن شقيق, قال: حدثنا الحسين بن واقد, عن يزيد النحويّ, عن عكرِمة وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إلى رَبّها ناظِرَةٌ قال: تنظر إلى ربها نظرا.
حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق, قال: سمعت أبي يقول: أخبرني الحسين بن واقد في قوله وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ من النعيم إلى رَبّها ناظِرَةٌ قال: أخبرني يزيد النحوي, عن عكرِمة وإسماعيل بن أبي خالد, وأشياخ من أهل الكوفة, قال: تنظر إلى ربها نظرا.
حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري, قال: حدثنا آدم قال: حدثنا المبارك, عن الحسن, في قوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ قال: حسنة إلى رَبّها ناظِرَةٌ قال: تنظر إلى الخالق, وحُقّ لها أن تنضر وهي تنظر إلى الخالق.
حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم, قال: حدثنا خالد بن عبد الرحمن, قال: حدثنا أبو عرفجة, عن عطية العوفي, في قوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إلى رَبّها ناظِرَةٌ قال: هم ينظرون إلى الله لا تحيط أبصارهم به من عظمته, وبصره محيط بهم, فذلك قوله: لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنها تنتظر الثواب من ربها. ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عمر بن عبيد, عن منصور, عن مجاهد وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إلى رَبّها ناظِرَةٌ قال: تنتظر منه الثواب.
قال: ثنا وكيع, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد إلى رَبّها ناظِرَةٌ قال: تنتظر الثواب من ربها.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد إلى رَبّها ناظِرَةٌ قال: تنتظر الثواب.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن منصور عن مجاهد إلى رَبّها ناظِرَةٌ قال: تنتظر الثواب من ربها, لا يراه من خلقه شيء.
حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي, قال: حدثنا أبي, عن أبيه, عن جدّه, عن الأعمش, عن مجاهد وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ قال: نضرة من النعيم إلى رَبّها ناظِرَةً قال: تنتظر رزقه وفضله.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد, قال: كان أناس يقولون في حديث, «فيرون ربهم» فقلت لمجاهد: إن ناسا يقولون إنه يُرَى, قال: يَرى ولا يراه شيء.
قال: ثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد, في قوله إلى رَبّها ناظِرَةٌ قال: تنتظر من ربها ما أمر لها.
حدثني أبو الخطاب الحساني, قال: حدثنا مالك, عن سفيان, قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد, عن أبي صالح, في قوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إلى رَبّها ناظِرَةٌ قال: تنتظر الثواب.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا الأشجعي, عن سفيان, عن ثوير, عن مجاهد, عن ابن عمر, قال: «إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى مُلكه وسُرُرِه وخدمه مسيرة ألف سنة, يرى أقصاه كما يرى أدناه, وإن أرفع أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى وجه الله بُكرة وعشية».
قال: ثنا ابن يمان, قال: حدثنا أشجع, عن أبي الصهباء الموصلي, قال: «إن أدنى أهل الجنة منزلة, من يرى سرره وخدمه ومُلكَهُ في مسيرة ألف سنة, فيرى أقصاه كما يرى أدناه وإن أفضلهم منزلة, من ينظر إلى وجه الله غدوة وعشية».
وأولى القولين في ذلك عندنا بالصواب القول الذي ذكرناه عن الحسن وعكرِمة, من أن معنى ذلك تنظر إلى خالقها, وبذلك جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
حدثني عليّ بن الحسين بن أبجر, قال حدثنا مصعب بن المقدام, قال: حدثنا إسرائيل بن يونس, عن ثوير, عن ابن عمر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ أدْنى أهْلِ الجَنّةِ مَنْزِلَةً, لَمَنْ يَنْظُرُ فِي مُلْكِهِ ألْفَيْ سَنَةٍ قال: وإنّ أفضَلَهُمْ مَنْزِلَةً لَمَن يَنْظُرُ في وَجْهِ اللّهِ كُلّ يَوْم مَرّتَينِ قال: ثم تلا: وُحُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إلى رَبّها ناظِرَةٌ. قال: بالبياض والصفاء, قال: إلى رَبّها ناظِرَةٌ قال: تنظر كلّ يوم في وجه الله عزّ وجلّ».
-قال ابن كثير -رحمه الله-
ثم قال تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة} من النضارة أي حسنة بهية مشرقة مسرورة {إلى ربها ناظرة} أي تراه عياناً كما رواه البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه «إنكم سترون ربكم عياناً». وقد ثبتت رؤية المؤمنين لله عز وجل في الدار الاَخرة في الأحاديث الصحاح من طرق متواترة عند أئمة الحديث لا يمكن دفعها ولا منعها, لحديث أبي سعيد وأبي هريرة وهما في الصحيحين أنا ناساً قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال: «هل تضارون في رؤية الشمس والقمر ليس دونهما سحاب ؟» قالوا: لا, قال: «فإنكم ترون ربكم كذلك».
وفي الصحيحين عن جرير قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القمر ليلة البدر فقال: «إنكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر! فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس ولا قبل غروبها فافعلوا» وفي الصحيحين عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما, وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما, وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى الله عز وجل إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن}. وفي أفراد مسلم عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة ـ قال ـ يقول الله تعالى: تريدون شيئاً أزيدكم ؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا! ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار! قال: فيكشف الحجاب, فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم وهي الزيادة» ثم تلا هذه الاَية {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} وفي أفراد مسلم عن جابر في حديثه «إن الله يتجلى للمؤمنين يضحك» يعني في عرصات القيامة ففي هذه الأحاديث أن المؤمنين ينظرون إلى ربهم عز وجل في العرصات وفي روضات الجنات, وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية, حدثنا عبد الملك بن أبحر, حدثنا ثوير بن أبي فاخته عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أدنى أهل الجنة منزلة لينظر في ملكه ألفي سنة يرى أقصاه كما يرى أدناه, ينظر إلى أزواجه وخدمه, وإن أفضلهم منزلة لينظر في وجه الله كل يوم مرتين» ورواه الترمذي عن عبد بن حميد عن شبابة عن إسرائيل عن ثوير قال: سمعت ابن عمر فذكره, قال: ورواه عبد الملك بن أبحر عن نوير عن مجاهد عن ابن عمر, وكذلك رواه الثوري عن نوير عن مجاهد عن ابن عمر ولم يرفعه, ولولا خشية الإطالة لأوردنا الأحاديث بطرقها وألفاظها من الصحاح والحسان والمسانيد والسنن, ولكن ذكرنا ذلك مفرقاً في مواضع من هذا التفسير وبالله التوفيق.
وهذا بحمد الله مجمع عليه بين الصحابة والتابعين وسلف هذه الأمة كما هو متفق عليه بين أئمة الإسلام, وهداة الأنام, ومن تأول ذلك بأن المراد بإلى مفرد الاَلاء وهي النعم كما قال الثوري عن منصور عن مجاهد {إلى ربها ناظرة} قال: تنتظر الثواب من ربها, رواه ابن جرير من غير وجه عن مجاهد وكذا قال أبو صالح أيضاً فقد أبعد هذا القائل النجعة وأبطل فيما ذهب إليه, وأين هو من قوله تعالى: {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ؟} قال الشافعي رحمه الله تعالى: ما حجب الكفار إلا وقد علم أن الأبرار يرونه عز وجل ثم قد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما دل عليه سياق الاَية الكريمة وهي قوله تعالى: {إلى ربها ناظرة} قال ابن جرير: حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري, حدثنا آدم, حدثنا المبارك عن الحسن {وجوه يومئذ ناضرة} قال حسنة {إلى ربها ناظرة} قال: تنظر إلى الخالق وحق لها أن تنضر وهي تنظر إلى الخالق.
-قال البغوي -رحمه الله-
"إلى ربها ناظرة"، قال ابن عباس: وأكثر الناس تنظر إلى ربها عياناً بلا حجاب. قال الحسن: تنظر إلى الخالق وحق لها أن تنضر وهي تنظر إلى الخالق. أخبرنا أبو بكر بن أبي الهيثم الترابي، أخبرنا عبد الله بن أحمد الحموي، أخبرنا إبراهيم بن خزيم الشاشي، أخبرنا عبد بن حميد، حدثنا شبابة، عن إسرائيل، عن ثوير قال: سمعت ابن عمر يقول: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة، وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة "".
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين؛ نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
فهذه وقفة عظيمة مع تفسير آيتين عظيمتين تطير بها القلوب فرحا ورغبة،، نسأل الله أن يكرمنا وأن يعاملنا بما هو أهله سبحانه وبحمده.
{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إلى رَبّها ناظِرَةٌ}
-قال السعدي -رحمه الله-
ثم ذكر ما يدعو إلى إيثار الآخرة، ببيان حال أهلها وتفاوتهم فيها، فقال في جزاء المؤثرين للآخرة
على الدنيا: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ } أي: حسنة بهية، لها رونق ونور، مما هم فيه من نعيم القلوب،
وبهجة النفوس، ولذة الأرواح، { إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } أي: تنظر إلى ربها على حسب مراتبهم: منهم من
ينظره كل يوم بكرة وعشيا، ومنهم من ينظره كل جمعة مرة واحدة، فيتمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم، وجماله الباهر، الذي ليس كمثله شيء، فإذا رأوه نسوا ما هم فيه من النعيم وحصل لهم
من اللذة والسرور ما لا يمكن التعبير عنه، ونضرت وجوههم فازدادوا جمالا إلى جمالهم، فنسأل الله الكريم أن يجعلنا معهم.
- قال القرطبى -رحمه الله-
قوله تعالى: "وجوه يومئذ ناضرة، إلى ربها ناظرة" الأول من النضرة التي هي الحسن والنعمة.
والثاني من النظر أي وجوه المؤمنين مشرقة حسنة ناعمة؛ يقال: نضرهم الله ينضرهم نضرة ونضارة
وهو الإشراق والعيش والغنى؛ ومنه الحديث (نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها). "إلى ربها" إلى
خالقها ومالكها "ناظرة" من النظر أي تنظر إلى ربها؛ على هذا جمهور العلماء. وفي الباب حديث
صهيب خرجه مسلم وقد مضى في "يونس" عند قوله تعالى: "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة" [يونس: 26]. وكان ابن عمر يقول: أكرم أهل الجنة على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية؛ ثم تلا هذه الآية: "وجوه يومئذ ناضرة. إلى ربها ناظرة" وروى يزيد النحوي عن عكرمة قال: تنظر إلى ربها نظرا. وكان الحسن يقول: نضرت وجوههم ونظروا إلى ربهم.
-قال الطبرى -رحمه الله-
إلى رَبها ناظِرَة اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم: معنى ذلك: أنها تنظر إلى ربها. ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن منصور الطوسي, وإبراهيم بن سعيد الجوهري قالا: حدثنا عليّ بن الحسن بن شقيق, قال: حدثنا الحسين بن واقد, عن يزيد النحويّ, عن عكرِمة وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إلى رَبّها ناظِرَةٌ قال: تنظر إلى ربها نظرا.
حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق, قال: سمعت أبي يقول: أخبرني الحسين بن واقد في قوله وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ من النعيم إلى رَبّها ناظِرَةٌ قال: أخبرني يزيد النحوي, عن عكرِمة وإسماعيل بن أبي خالد, وأشياخ من أهل الكوفة, قال: تنظر إلى ربها نظرا.
حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري, قال: حدثنا آدم قال: حدثنا المبارك, عن الحسن, في قوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ قال: حسنة إلى رَبّها ناظِرَةٌ قال: تنظر إلى الخالق, وحُقّ لها أن تنضر وهي تنظر إلى الخالق.
حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم, قال: حدثنا خالد بن عبد الرحمن, قال: حدثنا أبو عرفجة, عن عطية العوفي, في قوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إلى رَبّها ناظِرَةٌ قال: هم ينظرون إلى الله لا تحيط أبصارهم به من عظمته, وبصره محيط بهم, فذلك قوله: لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنها تنتظر الثواب من ربها. ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عمر بن عبيد, عن منصور, عن مجاهد وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إلى رَبّها ناظِرَةٌ قال: تنتظر منه الثواب.
قال: ثنا وكيع, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد إلى رَبّها ناظِرَةٌ قال: تنتظر الثواب من ربها.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد إلى رَبّها ناظِرَةٌ قال: تنتظر الثواب.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن منصور عن مجاهد إلى رَبّها ناظِرَةٌ قال: تنتظر الثواب من ربها, لا يراه من خلقه شيء.
حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي, قال: حدثنا أبي, عن أبيه, عن جدّه, عن الأعمش, عن مجاهد وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ قال: نضرة من النعيم إلى رَبّها ناظِرَةً قال: تنتظر رزقه وفضله.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد, قال: كان أناس يقولون في حديث, «فيرون ربهم» فقلت لمجاهد: إن ناسا يقولون إنه يُرَى, قال: يَرى ولا يراه شيء.
قال: ثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد, في قوله إلى رَبّها ناظِرَةٌ قال: تنتظر من ربها ما أمر لها.
حدثني أبو الخطاب الحساني, قال: حدثنا مالك, عن سفيان, قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد, عن أبي صالح, في قوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إلى رَبّها ناظِرَةٌ قال: تنتظر الثواب.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا الأشجعي, عن سفيان, عن ثوير, عن مجاهد, عن ابن عمر, قال: «إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى مُلكه وسُرُرِه وخدمه مسيرة ألف سنة, يرى أقصاه كما يرى أدناه, وإن أرفع أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى وجه الله بُكرة وعشية».
قال: ثنا ابن يمان, قال: حدثنا أشجع, عن أبي الصهباء الموصلي, قال: «إن أدنى أهل الجنة منزلة, من يرى سرره وخدمه ومُلكَهُ في مسيرة ألف سنة, فيرى أقصاه كما يرى أدناه وإن أفضلهم منزلة, من ينظر إلى وجه الله غدوة وعشية».
وأولى القولين في ذلك عندنا بالصواب القول الذي ذكرناه عن الحسن وعكرِمة, من أن معنى ذلك تنظر إلى خالقها, وبذلك جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
حدثني عليّ بن الحسين بن أبجر, قال حدثنا مصعب بن المقدام, قال: حدثنا إسرائيل بن يونس, عن ثوير, عن ابن عمر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ أدْنى أهْلِ الجَنّةِ مَنْزِلَةً, لَمَنْ يَنْظُرُ فِي مُلْكِهِ ألْفَيْ سَنَةٍ قال: وإنّ أفضَلَهُمْ مَنْزِلَةً لَمَن يَنْظُرُ في وَجْهِ اللّهِ كُلّ يَوْم مَرّتَينِ قال: ثم تلا: وُحُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إلى رَبّها ناظِرَةٌ. قال: بالبياض والصفاء, قال: إلى رَبّها ناظِرَةٌ قال: تنظر كلّ يوم في وجه الله عزّ وجلّ».
-قال ابن كثير -رحمه الله-
ثم قال تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة} من النضارة أي حسنة بهية مشرقة مسرورة {إلى ربها ناظرة} أي تراه عياناً كما رواه البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه «إنكم سترون ربكم عياناً». وقد ثبتت رؤية المؤمنين لله عز وجل في الدار الاَخرة في الأحاديث الصحاح من طرق متواترة عند أئمة الحديث لا يمكن دفعها ولا منعها, لحديث أبي سعيد وأبي هريرة وهما في الصحيحين أنا ناساً قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال: «هل تضارون في رؤية الشمس والقمر ليس دونهما سحاب ؟» قالوا: لا, قال: «فإنكم ترون ربكم كذلك».
وفي الصحيحين عن جرير قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القمر ليلة البدر فقال: «إنكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر! فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس ولا قبل غروبها فافعلوا» وفي الصحيحين عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما, وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما, وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى الله عز وجل إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن}. وفي أفراد مسلم عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة ـ قال ـ يقول الله تعالى: تريدون شيئاً أزيدكم ؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا! ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار! قال: فيكشف الحجاب, فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم وهي الزيادة» ثم تلا هذه الاَية {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} وفي أفراد مسلم عن جابر في حديثه «إن الله يتجلى للمؤمنين يضحك» يعني في عرصات القيامة ففي هذه الأحاديث أن المؤمنين ينظرون إلى ربهم عز وجل في العرصات وفي روضات الجنات, وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية, حدثنا عبد الملك بن أبحر, حدثنا ثوير بن أبي فاخته عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أدنى أهل الجنة منزلة لينظر في ملكه ألفي سنة يرى أقصاه كما يرى أدناه, ينظر إلى أزواجه وخدمه, وإن أفضلهم منزلة لينظر في وجه الله كل يوم مرتين» ورواه الترمذي عن عبد بن حميد عن شبابة عن إسرائيل عن ثوير قال: سمعت ابن عمر فذكره, قال: ورواه عبد الملك بن أبحر عن نوير عن مجاهد عن ابن عمر, وكذلك رواه الثوري عن نوير عن مجاهد عن ابن عمر ولم يرفعه, ولولا خشية الإطالة لأوردنا الأحاديث بطرقها وألفاظها من الصحاح والحسان والمسانيد والسنن, ولكن ذكرنا ذلك مفرقاً في مواضع من هذا التفسير وبالله التوفيق.
وهذا بحمد الله مجمع عليه بين الصحابة والتابعين وسلف هذه الأمة كما هو متفق عليه بين أئمة الإسلام, وهداة الأنام, ومن تأول ذلك بأن المراد بإلى مفرد الاَلاء وهي النعم كما قال الثوري عن منصور عن مجاهد {إلى ربها ناظرة} قال: تنتظر الثواب من ربها, رواه ابن جرير من غير وجه عن مجاهد وكذا قال أبو صالح أيضاً فقد أبعد هذا القائل النجعة وأبطل فيما ذهب إليه, وأين هو من قوله تعالى: {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ؟} قال الشافعي رحمه الله تعالى: ما حجب الكفار إلا وقد علم أن الأبرار يرونه عز وجل ثم قد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما دل عليه سياق الاَية الكريمة وهي قوله تعالى: {إلى ربها ناظرة} قال ابن جرير: حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري, حدثنا آدم, حدثنا المبارك عن الحسن {وجوه يومئذ ناضرة} قال حسنة {إلى ربها ناظرة} قال: تنظر إلى الخالق وحق لها أن تنضر وهي تنظر إلى الخالق.
-قال البغوي -رحمه الله-
"إلى ربها ناظرة"، قال ابن عباس: وأكثر الناس تنظر إلى ربها عياناً بلا حجاب. قال الحسن: تنظر إلى الخالق وحق لها أن تنضر وهي تنظر إلى الخالق. أخبرنا أبو بكر بن أبي الهيثم الترابي، أخبرنا عبد الله بن أحمد الحموي، أخبرنا إبراهيم بن خزيم الشاشي، أخبرنا عبد بن حميد، حدثنا شبابة، عن إسرائيل، عن ثوير قال: سمعت ابن عمر يقول: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة، وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة "".